فميِ
يمضغُ العلكة, ينتفخ, ينفثُ
فقاعة يلتصقُ طرفها بين أسناني,
تنفجرُ
االفقاعة, يعودُ فمي إلى
وضعه الأول
.. يمضغُ العلكة مرة أخرى وينفخهاَ
ولكن هذه المرة
لا تنفجر
!
تمرُّ بجانبي ريحٌ
مُرسلَة من الغيب , تدغدغُ الفقاعة, وأشعرُ أن أقدامي شيئًا
فشيئًا
ترتفع
,
وأصبحُ خفيفةً كالريشة,
أبتعد عن بيوت الحي, وعن
الحي, وعن سراب أمي الذي كان ينشرُ الغسيل على الحبل, وعن
أختي التي كانت تلعبُ معَ صديقتها أمام باب البيت
,
أراهم ولا أستطيعُ مناداتهم,
ففمي مأهول بـ "أجنحة الطيران
" ,
أخشى أن أحركه ولو قليلاً فتنفجر الفقاعة وأقع ... وأخسر ما كنتُ ذاهبةً إليه !
لاشكّ أنهُ شيءٌ جميل, هكذاَ
همستُ إلى نفسي,
لا شكّ أنها الجنة,
أنا الطيبةُ كثيرًا, حتمًا
ستكون الجنةُ في انتظاري,
أنا التيِ لم أُؤذِ أحدًا في
حياتي, حتمًا ستكونُ الجنةُ في انتظاري,
أنا التي لم
أكذب إلا نادرًا وكل أكاذيبي القليلة تلك كانت بيضاء ,
حتمًا
ستكونُ الجنة في انتظاري
!
أنا التي أصحُو باكرًا كيْ أعين أمي على غسل الصحون وجوارب
إخوتي
وتقشير البطاطا وتقليب المكرونة كي لا تعلق أسفل
القدر ... حتمًا ستكونُ الجنة في انتظاري !
أنا التيِ بكيتُ كثيرًا من ظلم الآخرين , ونمتُ كل لياليّ طيلة الـ 25 سنة
وأنا أحملُ صفة واحدة :
"مظلومة" ... حتمًا ستكون الجنة في انتظاري !
ستنصفني تلك الجنة,
ستعيدُ لي حقي,
حريتي
,
ابتسامتي الضائعة,
طفولتي
التيِ لا أدري أي قطار ركبتْه كي ترحل عني بعيدًا وتتركني أنضد في أدراج النسيان
ثيابي الصغيرة ودميتي ذات العينين الذابلتين.
سأعودُ
طفلة في تلك الجنة,
وسأنام أخيرًا في حجر أمي , وسأقفزُ على ظهر أبي في محاولة لتدليكه كما كان يطلبُ مني أن
أفعل
!
وسأركض في الشوارع وأضحك
بصوت عال, وأقول للسماء : " انزلي .. كي أصعد إليك !"
ابتعدتُ عن المدينة,
وعن الجمهورية, والقارة الإفريقية
...
وصرتُ أرى برج إيفل من بعيييد مضيئًا كما كنتُ أراهُ
دائمًا في البرامج الوثائقية!
وكان الناس كالديدان
السوداء .... يسيرون بسرعة على الأرض المسكينة !
لوحتُ بيميني ولكن لم ينتبه لي
أحد
!
وأنا أيضًا لم أكُن أُعِرهم
اي اهتمام, فأنا الآن أفضل منهم
بكثير
!
أنا في السماء ... هم على الأرض
!
أنا في الأعلى .. هم في
الأسفل
!
أنا التيِ ترى من هنا كل
شيء ..
هم بالكاد يرون أنفسهم أمام
مراياهم
!
فجأة تناولتنيِ
أربعُ أيادٍ وألقت بي في مكان بارد شبيه بقبو طائرة
هليكوبتر
..
وبعد ساعة من
الإغماء , أفقتُ علىَ صوتٍ يسألني :
" من أي كوكبٍ
أتيتِ؟
"
وأصواتٌ أخرى بعيدة تصرخ بفرح :
" هذا الإكتشاف سوف يزلزل
الأرض ! "
تفقدتُ فمي فإذ بالعلكة قد صارت جثةً زرقاء علق
رفاتها على أطراف شفاهي
سألتهم :
" أين الجنة؟ "
فإذ
بضحكاتهم تُزلزلُ أرضي , دون أن يردَني الجواب في النهاية
!